الأحد، 23 ديسمبر 2018

المخدرات والجنس


المخدرات والجنس .. اختطاف للعقل ولهث وراء الشهوات

نجحت علاقة المخدرات والجنس في ترسيخ نفسها بمجتمعاتنا لتستقر وتصبح موروثًا وثقافة تنتقل من جيل إلى جيل.
علاقة المخدرات والجنس تحمل دلالات كثيرة ومنطق غريب طالما أعتمد على ربط العملية الجنسية بالفحولة، لتلتصق الأخيرة بصفات الرجولة التصاقًا لا يقبل التجزئة.

كما ارتبط حدوث العلاقة الجنسية ببعض الطقوس والتي من ضمنها أن تكون المخدرات والكحوليات أحدها، وذلك لإضافة البهجة والسعادة والنشوة خلال الاتصال.

الجنس غريزة أساسية في الكائنات الحية تضمن بقاء الأنواع وتحسن السلالات على مدار التاريخ، ولكن يبقى للإنسان العقل ليميزه عن باقي الكائنات ويجعل من الجنس عنده ليس فقط وسيلة للتناسل، بل لتفريغ الشحنات العاطفية والحب وتحسين صحته النفسية، وتشير الدراسات العلمية إلى أن الإنسان بحياته يحتاج لمقومات بقاء اساسية كالطعام والمأوى والانتماء والشعور بالأمن وممارسة الجنس.

تؤكد هذه الدراسات أن حدوث أي خلل أو نقص ببعض تلك المقومات ومن أهمها الجنس، قد يؤدي لمتاعب نفسية وفسيولوجية قاسية، فالجنس كغريزة يولد تلبيتها سعادة واحترام للذات، ولكن بشرط أن يتماشى ذلك ويتسق مع الأفكار والمعتقدات السائدة عن طبيعة وكيفية والطريقة التي يمكن من خلالها تحقيق العلاقة.

موقع الجنس في كيمياء الدماغ العميقة جدًا:

تحدد الدراسات العلمية موقع الجنس في كيمياء الدماغ بوجوده بالمنطقة العميقة جدًا، وهذا تشبيه يشير لأهمية الجنس في الحياة الإنسانية، وقدرته على تحسين الصحة النفسية، وما يتبع ذلك لتحسين قدرات الإنسان على الإنتاج والعمل، والشعور بالرضا عن نفسه والآخرين.
بحسب الدراسات فإن حدود المعرفة الجنسية هي التي تشكل الصورة العقلية للعلاقة الحميمة، وهي المسئولة عن الشعور بالرضا.
وذلك يعني أنه كلما أصبحت معارف الإنسان وثقافته أكثر، كلما استغنى عن الأدوات ووسائل المساعدة للقيام بعلاقة جنسية سليمة وصحيحة.

الفاعل مجهول:
لا يعرف على وجه التحديد من الذي روج للأفكار التي تربط العلاقة الجنسية الناجحة بالفحولة وطول المدة، فهو الذي فتح الباب على مصراعيه لدخول مئات الآلاف في قوائم مدمني المخدرات ومتعاطيها.
فوجد عند بعض الشعوب القديمة من استخدموا الأفيون الخام والكوكايين ليجلبوا لأنفسهم السعادة، وبالتالي يتوجون هذه السعادة بممارسة العلاقات الجنسية.

بالرغم من ذلك فمفهوم العلاقة الجنسية الناجحة لدى القدماء لم يرتبط بالقوة وطول المدة، بل بالحالة النفسية الإيجابية.
بتقدم الزمان وتعقد الأمور وزيادة وتعاظم متطلبات الحياة، تولدت المزيد من الضغوط والتي أثرت سلبيًا على الحالة النفسية لبني البشر والجسدية، فبدأت تلوح بالأفق المشكلات الجنسية وضعف الانتصاب، بل وأعراض العجز الجنسي الكامل.
تزامنت مشكلات تراجع القدرات الجنسية مع ظهور وانتشار آفة جديدة من آفات عصر التكنولوجيا وهي الأفلام الإباحية، والتي لم يسلم من شرورها أحد.

ونقلت الأفلام الإباحية مشاهد حية وحقيقية لعلاقات جنسية كاملة بين رجال ونساء، من أعراق مختلفة، لتتسرب معها مفاهيم جديدة عن أقدم الروابط العاطفية التي تجمع الجنسين.

العالم يعيش مرحلة من عدم الرضا:

بظهور مشكلات القدرات الجنسية وتزامنها مع انتشار الأفلام الإباحية، توجهت شركات الأدوية لإنتاج مستحضرات تساعد على تحقيق تطلعات المستهلكين وعلاج أعراض الضعف، كما توجه ملايين المستهلكين من تلقاء أنفسهم ليبحثوا عن كل شيء يمكنهم من خلاله التفوق والانتصار على الطرف الآخر (المفعول به) خلال العلاقة.
وهنا جاءت المخدرات بكل أنواعها كأحد أبرز وأسهل الأدوات التي يمكن من خلال استخدامها تحقيق الرضا.

لا يفكرون فيلهثون وراء شهواتهم فيدمنون على المخدرات:

عندما تسيطر الغريزة على العقل يغيب التفكير وتقود الشهوة الإنسان إلى حيثما تريد، فبدلًا من أن تبحث البشرية عن الحلول المناسبة للمشكلات الجنسية، والتي تبدأ بفهم العلاقة الكاملة الحقيقية المشمولة بالاتصال والحب والحميمية، راحوا يسيرون نحو أنفاق مظلمة وبحور لا قرار لها، هي أنفاق وبحور المخدرات والمنشطات.

فبدون الحب والرعاية والاهتمام بالشريك فإن الجنس يصبح مجرد عملية كيميائية للعقل والأعضاء.
بتعاطى المخدرات والكحوليات للقيام بالعلاقة تحدث المشكلات التي تبدأ بعدم فهم توقعات الشريك، والسعي لتفريغ الشهوة بطريقة عنيفة، فتكون النتيجة سلبية لعدم صحية العلاقة من جانب، واستحواذ المخدرات على التفكير من جانب آخر، والوقوع بشكل أعمق بالإدمان.

علاقة المخدرات والجنس.. اختطاف للعقل البشري:

المخدرات تغير نشاط الدماغ والمخ بشكل كلي، حيث تؤثر على مراكز التفكير واتخاذ القرار، وتضر بالذاكرة والمناطق المسئولة عن المهارات والذكاء.

حينما يفشل المخ في العمل بشكل صحيح تتراجع قدرات الإنسان وتسوء حالته النفسية، وأثناء تلك الحالة تقوده الدوافع والعواطف، وكأن عقله مختطف، ويصبح الفرد أسيرًا للأوهام، وسيبقى على هذه الحالة إلى أن يتمكن من الإفلات من إدمانه، وفقط بعد التعافي والعلاج بشكل صحيح، يستطيع استعادة قدراته الجنسية بالمقادير البشرية المعقولة وليس بالمعايير الميكانيكية والزمنية، ويكون متفهمًا كيفية الاستمتاع بالعلاقة الصحيحة السليمة.

بعد المخدرات.. إما أن تلجأ البشرية للطب النفسي أو ترتد إلى البربرية:
تسجيل دفاتر الطلاق حالات كثيرة كان الجنس سببًا رئيسيًا في الوصول بالزوجين للانفصال، وقد يكون هذا الأمر غير معلن، ولكنه كذلك بالفعل.

والجنس هنا هو ضحية الجهل وغياب الثقافة وإدمان المخدرات، فلو أحسن التعامل مع هذه الغريزة وأبعدت المخدرات من الحياة الإنسانية فإنها بلا أدنى شك ستكون أفضل وأنجح ويمكن حصار المشكلات فيها بشكل أسهل.

وبما أن عصر المعجزات قد ولْىّ فلابد للطب النفسي تولي مسؤوليته الطبيعية والتاريخية لإزالة آثار ما أفسدته ثقافة الهروب والجهل بالمجتمعات، ليعيد صياغة علاقة المخدرات بالجنس من جديد، ويوضح أخطارها وأضرارها، وإلا فلماذا لا ترتد البشرية بعد كل ما وصلت إليه مرة أخرى للبربرية؟.
والأمر هنا يحتاج ممن يعانون المشكلات الجنسية عدم التردد في الحصول على الاستشارات النفسية لكي يتفادوا عقبات أكبر، ويتطلب من الإعلام التسويق بشكل أكثر والتوعية بأهمية الطب النفسي.

علاقة المخدرات والجنس بالورقة والقلم:

يحسب للمخدرات في بداية تعاطيها أنها تؤدي للشعور بالسعادة والنشوة والبهجة وزيادة التركيز والنشاط، وهذا قد يكتب للعلاقة الجنسية التي تحدث تحت تأثيرها النجاح.
والنجاح المكتوب هنا للعلاقة نفسها ورضا الطرفين عنها، ولكن بمرور الوقت تؤدي المخدرات لأمراض نفسية وعقلية غير محدودة، فتكون النتيجة تراجع الرغبة الجنسية للشخص المتعاطي.
وبالإضافة لتراجع الرغبة أو حتى انعدامها فإن المخدرات تسبب ضمورًا الخصيتين لدى الرجال، وهذا هو السبب الأساسي في إصابة مدمنيها بالعجز الجنسي.

بالنسبة لمن يعانون من أعراض صحية لمرضى السكر، فعلى هؤلاء اللجوء للطب، فهو وحده المعني بالبحث لهم عن حلول.
يطلب كذلك من الذين لديهم ضعف فى الانتصاب ومشكلات سرعة القذف أن يحذوا حذوهم، فهناك من المستحضرات الطبية المصنعة لهذه الأغراض عشرات الأنواع والأصناف وهي لا تسبب الإدمان، ويفضل استخدامها وفقًا للإشراف الطبي، وبكميات مناسبة دون إفراط.

عودة الغائب في يوم الكرامة:

لا جدال في أن اليوم الذي يتوقف فيه الإنسان المدمن عن التعاطي هو بمثابة يومًا لاسترداد الكرامة التي اهدرتها المخدرات.
والإنسان المتعافي يكون بمثابة الغائب الذي يرد لنفسه وأهله ومجتمعه، وبالتأكيد لصحته ولياقته الجنسية.
فاليقين بوجود الحلول الآمنة والبحث عنها والصبر على نتائجها يمكن تجاوز المشكلات الجنسية التي لا يسلم منها أحد بهذا الزمان السريع العنيف.

الخصوصية في مراكز الصحة النفسية أفضل من نصائح المقاهي بالعلن:

رصدت الدراسات العلمية التي تعمقت في علاقة المخدرات والجنس، أن أحد عوامل زيادة الاعتماد على الأولى لتحسين القدرات الجنسية، هو النصائح المباشرة المتداولة بين الناس بالشوارع والمقاهي وأماكن العمل.
يجوز القول وبعد اتساع ظاهرة إدمان المخدرات نتيجة للرغبة في تحسين القدرات الجنسية، أنها لم تكن نصائح بقدر كونها أدت لتدمير مئات الأسر، وقادت الآلاف لسجون التعاطي القهري.
ولو حاول كل من يعانون أو حتى يجهلون طبيعة العلاقات الجنسية هدفها والغاية منها أن يحصلوا على دعم مراكز الصحة النفسية، لوجدوا فيها اختلافًا كبيرًا.
فمراكز الصحة النفسية تحرص أولًا على الخصوصية، وثانيًا تسعى للبحث عن أصول المشكلة، وهل هي فكرية؟.. أم عضوية؟.. أو نفسية؟، يحدد من خلال ذلك الأطباء العلاج المناسب لكل حالة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق